تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > أنور عبد اللطيف > ‎ميلاد محمود مرسى ووفاة  الـ «بى بى سي"

‎ميلاد محمود مرسى ووفاة  الـ «بى بى سي"

مازالت مقالات التعازى تتواصل حزنا على إغلاق الراديو العربى هيئة الاذاعة البريطانية بى بى سى واستبدالها بأخبار سمعية عبر الإنترنت، ورغم أن بيان الهيئة يبرر القرار بأنه إعادة هيكلة وترتيب الاولويات فى عصر الإعلام الرقمى، لكن بعض الخبراء ينعى إلينا الموضوعية التى انتحرت ومنبر الحرية الذى قتل بدم بارد، وخبراء الإعلام يحذرون من موجة إغلاقات تطول الإعلام التقليدى ـ صحافة أو تليفزيون ـ بسبب تغير نوعية الجمهور ونمط استهلاكه للاخبار، ويطمئننا الدكتور حسن على بأن بى بى سى تمرض ولا تموت بشرط أن تواكب العصر!

وسألت الخبير الاعلامى خليل على فهمى المذيع فى البى بى سى: هل القناة السمعية والتليفزيون تعوضنا عن «مصابنا الأليم»؟، فقال: باختصار بى بى سى يعنى راديو.. لا يمكن ان يحل التليفزيون أو الأخبار السمعية محلها، ومن يقولون ذلك لا يفقهون،
أما المفكر الدكتور أسامة الغزالى حرب فقد أبلغ قراءه فى عموده أول فبراير بالأهرام حزنه وحزن العديد من المثقفين والكتاب على امتداد الوطن العربى كله لإغلاق الإذاعة التى أدمنها، ويفسر إغلاقها بأن الزمن تغير، وتلاشت الإمبراطورية، وتقلص وجودها فى العالم العربى!

‎ و«قول على قول» فإن اتهام الإعلام الرقمى بقتلها أو تبريره بإعادة الهيكلة وترتيب الأولويات هو جانب واحد من الحقيقة بعد ان صارت الحرية والموضوعية والمهنية وحق المستمع مجرد شعارات تسقط أمام الحسابات المالية، فمشكلة الـ بى بى سى العربية انها عاشت منذ إنشائها عام 1938 تسوق لنا كعرب الأفكارالممنوعة عندنا مثل النقاش الحر والموضوعية والمهنية والرأى الآخر التى تمارس فى أوروبا كالماء والهواء، وترى  كارولينريتر ـ مؤلفة كتاب إعادة الظهور الاستعمارى: المشروع الثقافى للإمبراطورية البريطانية الأخيرة ـ أن بى بى سى بعد أزمة السويس عام 1956 بدأت توجيه خطابها الثقافى للجماهير، فى إفريقيا من وراء ظهر نظم «الحكم الوطنى» فاختلف حولها البريطانيون أنفسهم وتفرق دمها بين المصالح الحزبية ومصلحة الوطن، خاصة بعد أن أصبحت الحرية تباع وتشترى على أرصفة النشر الإلكترونى!

‎ وهيئة الاذاعة البريطانية كانت تمول من رسوم تراخيص على التليفزيون الملون مقدارها ١٥٩ جنيها استرلينيا، لكن مع الأزمة الاقتصادية الحالية والتضخم لم يتمكن المستخدمون من الدفع .. فاختارت الحكومة إلغاء ضريبة التليفزيون لتخفيف الضغط على جيوب المستخدمين، لأن البديل جرجرة الشعب للمحاكم، كما أنها ليست على استعداد لدعم الهيئة بـ باوند واحد للحفاظ على نفوذ الامبراطورية الثقافى، فكان على الهيئة ان تلغى 382 وظيفة وتضغط الإنفاق وتضحى بالإذاعات الموجهة، وتبدأ بالبث العربى والفارسى، فقد جربت منذ نشأتها البرامج الرصينة التى يقدمها كبار المذيعين باللغة العربية الفصحى وبدء إرسالها بالقرآن الكريم، وعرفناها فى شبابنا بـ «هنا لندن: هيئة الإذاعة البريطانية».. 

وكانت حملاتها تهز حكومة وتشكل وزارة قبل ثورة يوليو، ولديها الخبر اليقين، ويحتشد للرد عليها الرئيس جمالعبدالناصر واسماها الرئيس  السادات إذاعة المطاريد، لدورها فى استقطاب المعارضين، ثم تسرب اليأس إليها فى الثمانينيات، وغيرت بوصلتها لتصبح الافتتاحية «هنا لندن: بى بى سى». 

ولعل الهيئة أدركت فى السنوات الاخيرة انه لا مصلحة من وراء المستمع العربى والفارسى، فكيف تحاول أن تقنعه بشعارات الحرية والمهنية والموضوعية ولا تعكسها مواقف حكومة بريطانيا تجاه قضاياه العادلة؟ 

‎ والنتيجة أن رد فعل المستمع العربى صار واحدا من اثنين: إما ان يقصر المستمع «المثقف» مواعيد سماعه راديو البى بى سى على مدة دخوله الحمام وحلاقة الذقن كما قال الدكتور أسامة الغزالى حرب!، 
وإما أن «يخلع» المستمع الـ بى بى سى من حياته، ويقدم استقالته من جنتها اذا تعارض ما تدعو اليه مع مصلحة بلده وقناعاته الوطنية، وهذا ما  فعله الفنان محمود مرسى عام ١٩٥٦، حين طردوه من راديو فرنسا بعد خمس سنوات من العمل به لأن جمال عبدالناصر أمم قناة السويس وطرد الخبراء الفرنسيين، فانتقل محمود مرسى الى الـ بى بى سى، وحين وقع العدوان الثلاثى على بورسعيد وجد انها تروج للعدوان وتخدم الأهداف الاستعمارية لحكومة بريطانيا،  فقدم استقالته على الهواء وقال: لا يمكننى أن أعمل أو أقيم فى دولة تشن عدوانها وتلقى قنابلها على بلادى وسوف اعود لأقاتل بجانب أهلى فى مصر!:  

‎ ويشاء السميع العليم ان يتم إغلاق البى بى سى عربية، هذا العام فى ذكرى مرور ١٠٠ سنة على ميلاد الفنان محمود مرسى (١٩٢٣- ٢٠٢٣)  الذى استقال من «هنالندن» والتحق بـ «هناالقاهرة» وصار الرجل ذو الوجه الآخر  فى مشواره المهنى .. صاحب مدرسة تتسم بالصدق والسهولة والبساطة فى أعماله  الإذاعية التليفزيونية والسينمائية، وقدم أكثر من مائة عمل درامى ستعيش بعد الـبى بى سى وتتحدى الزمن والإعلام الرقمى!

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية